أدب الأطفال في العصور القديمة والوسطى والحديثة
المقدمة
أدب الطفولة أو أدب مرحلة الطفولة أحد الأنواع الأدبية المتجددة في الآداب الإنسانية ، فالطفولة هي الغرس المأمول لبناء مستقبل الامة .
والاطفال هم ثروة الحاضرة وعدة المستقبل في أي مجتمع يخطط لبناء الإنسان الذي يعمر به الأرض. ويدعم بفاعليته وجوده الانساني ويؤكد تواصله الحضاري . والاطفال هم بهجة الحياة ومتعة النفس لأننا لو نظرنا للحياة في وجهها المضيء . لرأينا أن يمنحها الجمال والسعادة أمران :
المال والابناء . يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم :" المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ".
فالاموال والاولاد هما الثروة في جانبها المادي والبشري ،وعلى هذين الامرين تقوم الحياة ،ويعمر الكون وتدور بواسطتهما عجلات التا يخ الانساني .
وفي الواقع .. يمكننا القول إن أدب الأطفال قديم قدم الإنسان على هذه ألا رض ومرتبط بوجوده واستمراره.
وسنقف في هذا الحديث على (أدب الاطفال ) قديما وحديثا بالمرور بالعصور الوسطى محاولين تلمس أهم الخصائص والاتجاهات التي ميزته في شتى مراحله التاريخية .
وعلىالرغم من صعوبة وضع اليد على أدب الأطفال قديما ،إلا أن ازدهاره وتبلوره كان في العصور الحديثة كما سنرى في الصفحات القادمة من هذا الحديث .
اهمية أدب الأطفال
وقبل التفصيل في التطور التاريخي لأدب الأطفال لابد أن تكون لنا وقفة ضرورية وأساسية عن أهمية هذا النوع من الادب .
فمن المعروف أن الطفل يكون في هذه الدنيا كالورقة البيضاء ، فهو بحاجة إلى التوجيه والعناية والتعليم . ولا يمكن في هذا الاطار من العلم أن تقدم له الامعلومات والافكار والقيم بشكل مباشر ؛ ولكن يجب ربطها بموقف أو مواقف
درامية معينة ليكون تأثيرها أكبر وذات رسوخ في نفسه وشخصيته المستقبلية (1) .
بناء على ذلك تأتي أهمية أدب الأطفال ، حيث يعمل هذا الادب بشتي اتجاهاته والقصصية والشعرية والمسرحية على بناء الطفل علمي وذا أثر ورسوخ –كما أسلفنا _ حيث من المعروف علميا أن الصياغات القصصية والدرامية تعمل على بث الافكار والمعلومات والقيم إلى ذهن الطفل وتبقيها بشكل يكون أبعد تأثيرا ، واكثر حضورا وحفظا وتمثلا .
من هنا تاتي أهمية ادب الأطفال ، وذلك من خلال شد انتباه الطفل على هذه المواقف والقيم ويناء شخصيته التي تحتاج للكثير من العناية . وليس سوى المواقف الادبية التي تخاطب الطفل بلغته التي تكون أقدر على التوصل والبناء النفسي والمعرفي والوجداني لهذا الطفل أو ذاك .
وعليه فالاهمية هذه لها ما يبررها مما يدعونها إلى العناية بأدب الأطفال بشكل عام.
أدب الطفل في القديم
في الواقع لدينا مصادر تتحدث عن أدب الاطفال في العصور القديمة ؛ ولكن كتب التاريخ القديمة ربما إشارة بيسطة الى بعض القصص التي ربما كانت الشعوب والجماعات تتداولها .
وهذه القصص كلها تعتد على عادات و تقاليد والقيم تلك الشعوب كالقصص التي تتحدث عن الغول والعنقاء أو التنين , وكلها كما نعرض حيوانات أو كائنات خرافية تعتمد علي التشويق المصحوب بمفاهيم وقيم الشجاعة والبطولة بشكل خاص.
ولاكن لا نستطيع أن نقول عنها (أدب أطفال ) لعدم وجود أطر و أسس واضحة لها تبين ماهيتها أو أطرها الفنية , ولأنها كانت تخضع للشفافية والرواية وليس الكتابة .
وقد جاء في الحضارة القديمة من خلال بعض الرسوم علي الجدران والرقم بعض هذه الإشارات والقصص مثل الحضارة الصينية والحضارة الفرعونية وبمراجعة بعض مصادر الحضارة اليونانية الرومانية القديمة , فإننا نلحظ بعض المشاهد والمعلومات والأفكار التي تبني علي عناية تلك الشعوب بالنواحي الدينية الأطفال حيث يحرصون علي تعليمهم قيم البطولة والشجاعة والدفاع عن النفس من خلال تدريب بدني وتدريب ذهني مرتبط بتلك القصص الأسطورية والبطولية التي أشرنا إليها آنفاً .
وعلية فأدب الأطفال في العصور القديمة ليس واضح المعالم ما عدا ما ذكرناه في البداية .
أدب الأطفال في العصور الوسطي
يبقي التراث الفلكلوري والشفهي أساسيا في عملية تشكيل الجذور التاريخية لأي حضارة .
ولهذا عندما أخترعت الطباعة كانت القصص الفلكلورية أول ما طبع .فلقد أبتدا (أوليام كاكستون)
أول مطبعة في أنجلترا عام 1476 والتي أعتبرت فيما بعد خطوة تاريخية هامة سارعت بشيوع كتب أدب الطفل .
وفي هذا المجال يورد تاونسند أن (الكتب قبل أدخال الطباعة كانت بادرة وثمينة كما أنكتابة الكتب بهدف تسلي الصغار كانت أمر مستحيل سواء أقتصاديا أو نفسيا , وهكذا فإن كتب الأطفال الأولي عندما كتبت كانت ترمي لأغراض تعليمية عظيمة .وغالبا ما كانت كتب في الأدب والسلوك.
ومع أن (كاكستون ) لم يكف بنية أن تكون كتبة موجهه للصغار ,ألا أن ثلاثة منها لاقت القبول عند جمهور الأطفال فتبنوها , وأصبحت كتب للأطفال علي مر السنين . وهذه الكتب هي (الثعلب رينارد , خرافات أيوب , وموت آرثر)ثم ظهرت الكتب الورقية في القرن السادس عشر , والتي ساهمت في شيوع الكتب حتى في الوقت الذي بدأت فية كتب الأطفال تأخز مناحي جديدة وقد ظهرت حكايات بيرو ، الأوزة الأم ،والتي نشرت في عام (1698 )فقد دمغت بدايات كتابة القصصي التقليدية وبالتحديد لغرض تثلية الأطفال بدلاً من تبني الأطفال لقراءات كانت قد كتبت لكبار .
أما قصص المغامرات مثل ( روبسون كروزو ورحلات جوليفر) فما هي إلا أمثلة علي هذه القصص التي كانت بمثابت الهواء الطلق للأطفال بغض النظر عن حقيقة أنهم لم يكتبوا أصلا للأطفال .
وقد جاءت هذه القصص تعبر عن انماط جديدة للتفكير ،وبرزت مع نمو الطبقة الوسطى في القرن الثامن عشر ،مما كان له أثر كبير على صناعة النشر وظهور الناشرين ال جانب بائع الكتب .
اما ( جون نيوبري ) الذي كان معجبا بلوك فقد كان كاتبا وناشرا لكتب الاطفال في انجلترا .
وقد حققت كتب (نيوبري )نجاحا هاما في تطور أدب الاطفال وجاء (جان جاك روسو ) الذي كان معلما فرنسيا ليعبر عن أرائه في كتابه (أميل) :فلقد أحس روسو بأهمية ان ينمو الطفل طبيعيا ،وان يترك التعليم لمراحل أخرى متأخرة ،وقد عبر ( تاونسند ) عن الفرق بين كل من فلسفة لوك وروسو بما يلي ( انتقي لوك وجهة نظر متحررة وعقلانية تجاه التعليم ، بينما اراد روسو واحدة جديدة عليه ، فلقد أب روسو الطبقية والبساطة والكلية (√ . كذلك فلقد خلقت الحركة الرومانسية رغبة في استكشاف الادب الشعبي نتجت عن احداث نقلة هامة في نظة للاطفال والطفولة .
وكما انعكست الاتجاهات والعقائد التطهيرية في كتب الاطفال ، ومراعاة الواجب تجاه الله والوالدين ، كما ازداد الاهتمام بالحياة العائلية والطفولة وتصاحب ذلك مع التركيز على عدم ا مساواة المرأة بالرجل ، أي ان العهد الفيكتوري وكما يراه ميجس ( كان عهدا دينيا شكل الدين جزء هام من الحياة العائلية ) . وتؤكد نوتون أن التغيرات اليت اثرت على أدب الاطفال الفيكتوري كانت عدية ،فلقد بأت مرحلة الطفولة تصبح مقبولة . وبدأت تنمو وتظهر مشاكل الطبقة العاملة إضافة للصراع بين الطبقات .
أما التطورات العلمية وما رافقها من إشكاليات دينية إضافية للتغير في الآراء تجاه المرأة فقد جاءت كلها لتساهم في هز و خلخلة المعتقدات الاجتماعية السائدة . وقد مهدت هذه التغيرات الطريق لظهور كتب المغامرات والخيال في قصص الاطفال .
أدب الأطفال عربيا
ولم يفرد الاب العربي القديم والوسيط للاطفال إنتاجيا أدبيا مخصصا لهم أو موجها إليهم ، لكنه جعل الاطفال موضوعا لبعض الادبية .
ولعل ابرز الاشكال الادبية التي أتخذت الاطفال موضوعا لهذا كانت القصيدة الشعرية . وكان أهم غرض شعري في هذا الصدد هو رثاء الابناء ، وخاصة الاطفال منهم ، كما نجد غرضا آخر يرد في بعض الابيات الشعرية ينوه بإيثار الاطفال ، ويصف محبتهم والشعور بالمسؤولية نحوهم .
أما في النثر فستجد أشكال من النصائح والوصايا التربوية المتعلقة بتعليم الاولاد وتهذيبهم ، وخاصة الموجهة الى مؤدبي الاطفال ومربيهم . وهذا ينبهنا الى أن فحصا دقيقا لمصادر التراث العربي القديم ، وصفوه المأثور الشعبي العربي قد يكشف عن وجود نصوص وافرة تصلح أن تكون مادة لأدب موجه للااطفال .
ففضلا عن وجود نصوص وافرة تصلح أن تكون كمادة لأدب موجه للاطفال في هذا الصدد مثل ( كليلة ودمنة ، والغواص والاسد ) فان الكتب التي تتضمن قصص الاخبار والمغزي والاسفار ، مثل كتاب ( مختصر العجائب والغرائب المنسوب للمسعودي ، تحفل بمادة ثرية يمكن إعدادها لمطالعات الاطفال ،واستلامها فب ي انتاج جديد موجه للاطفال .
أدب الاطفال في العصور الحديثة :
يعتبرالعصر الحديث عصر أدب الاطفال بكافة وسائله المقروءة والمرئية والمسموعة فمنذ عصر النهضة حدث تحول في الادب المخصص للطفل ،وكان من بين تحولاته الجديدة الالتفات الى الاطفال والكتابة فيما يتصل بتنشئتهم
وتثقيفهم . وقد ظهر هذا الالتفات في كتابات الرواد من أمثال ( رفاعة الطهطاوي وعلى مبارك).
وتوالت الكتابات منذ ذلك الحين ، وهي تعني بتخصيص جانب من نتائجها للاطفال واليا فعين ولهذا لم غريبا في هذا المناخ أن يفرد شاعر كبير مثل احمد شوقي عددا من قصائده يوجهها للاطفال يراعي فيها مستواهم الادراكي وحصيلتهم اللغوية ونوعية التشويق الذي يجزب مرحلتهم العمرية .
كما نحد شاعرا آخر معاصراًله هو ( محمد الهواري يكاد يتخصص في التاليف الشعري للاطفال وفي العصر الحديث بدأ أدب الاطفال يتجه الى التراث ؛ فنجد بعضا من نوادر جحا وشيئا من قصص السندباد ، ثم انفتح على قصص المغامرات والألغاز التي فتن بها الاطفال كثيرا .
وقد أثمرت هذه الجهود المتوالية في العناية بالادب المكتوب للاطفال ، الامر الذي جعل الهيئات الرسمية والجمعيات الاهلية تنشط لرعاية الطفولة والعناية بتنشءة الاطفال .
ولم يعد الامر قاصرا على اصدار كتب الاطفال فحسب ، بل جزئ العمل على إنشاء المراكز والمعاهد زالادارات المختصة ، وقد تتابع اصدار مجلات ودوريت خاصة بالاطفال ، في معظم البلاد العربية . ومن أهمها حكايات حارثة ومجلات سمسم وسمير وميكي وعلاء الدين وماجد وباسم واحمد والشبل وغيرها .
تخصيص جوائز لأدب الطفل :
وقد تم تخصيص جانب من الجوائز الرفيعة لتمنح للمبدعين في أدب الاطفال والكتابة للطفل ، كما فعلت على سبيل المثال لا الحصر ( جائزة الملك فيصل العالمية )عام 1411 هجرية ، 1991 م .
عندما منحت جائزتها للكتاب الثلاثة ( أحمد محمود نجيب وعبد التواب يوسف وعي عبد القادر الصقلي وظهرت أقلام جديدة أغنت الكتاب للطفل وجددتها مثل : محمد موفق سليمة والمنسي قنديل وأحمد الشيخ وجار النبي الحلو وأحمد سويلم العيسى من سوريه .
نقلة نوعية لأدب الطفل في هذا العصر
وقد أفضى كل هذا العمل المطرد الى نقلة نوعية في هذا المجال وفقد اتسع الاهتمام من مجرد تأليف الكتب للأطفال الى العناية بثقافة الطفل بمعناها الواسع الشامل.
ولهذا أدخلت كل وسائل بث الثقافة وتوصيلها في مجال الاهتمام ؛ كالمسرح بما في ذلك المسرح الغنائي ومسرح القفازات ، والسينما والتلفاز والفيديو والكاسيت ، ما الى ذلك من السائل المستحدثة .
وبهذا تكاملت العلاقة بين الإنتاج الأدبي للأطفال وسائر فنون التعبير الثقافي الأخرى .
وإذا ذكرنا أدب الطفل في العربية ، فيجب ألا ننسي الأساتذة : علي الطنطاوي سعيد العريان ، أمين دويدار ،محمود زهران ، عبد الرحمن رافت عوان ، محمد أحمد برانق .
أنواع أدب الأطفال:
1- الشعر : ويتيح الشعر الاتصال بالأدب مع الطفل فالقصد القصير والسيطة تكون عادة مليئة بالحركة ومرح والحوادث المسلية والإيقاع الموسيقي لأبيات
الشعر . لهذا الشعر سبباً لمتعة الأطفال لمئات السنين ، كما تساعد هذه الأغاني الأطفال علي تعلم الأيام والشهور وأحرف الهجاء والعداد .
ومن أشهر الأعمال والكتاب : ريمون بيرجس في كتاب كنز الوزة الأم وكتاب ( أرانب ) ل ( ألين فيشر ) عام ( 1983 ) .
2- القصة : وهي حكايات قصيرة تقدم درساً أخلاقيا وأكثر شخصياتها من الحيوانات أو الأشياء الناطقة يمكنها التحدث والتصرف كالإنسان . ومن أشهرها في القرن السابع عشر الميلادي ( حكايات أيوب ) للكاتب الفرنسي ( لافونتين ) .
وتتنوع هذه القصص في اتجاهاتها وأشكالها وأنواعها منها( قصص الخيال وقصص المغامرات وقصص الحيوانات وقصص البلاد الأخرى ، وقصص الخيال العلمي والقصص البوليسية والاجتماعية وقصص السير وكتب المعلومات .
ويعد الفن القصصي أكثر الأنماط أو أكثر أنماط الأدب الطفلي انتشاراً ويشمل مجموعة من القيم والأخلاقيات والمواقف المؤثرات في نفسية الطفل وشخصيته .
وقد فاق عدد الكتب المنشورة للأطفال خلال القرن العشرين مجموعة ما نشر من كتب الأطفال مجتمعة على مدى القرون السابقة . وكان ذلك بفضل نظريات التربية وعلم النفس التي أكدت ضرورة القراءة للأطفال .
وتمثل كتب الصورة أول تقديم كبير في القرن العشرين في أدب الأطفال فقد اكتسب الرسوم أهمية تعادل أهمية النص في فهم القصة والاستمتاع بها مثل قصة الأرنب بيتر ( 1901 ) للكاتبة بيا ( تركس بوتر ) .
الخاتمة
وهكذا وبعد هذه الجولة الشاملة في بحث ( أدب الأطفال ) في العصور المختلفة ؛ يمكننا القول أن عالم الطفل وأدب الطفل مترابطاً وقديمان قدم الإنسان ذاته ؛ ولكنه خضع للتطور على التقني والتربوي والعلمي الذي تتبايع على مدى القرون والعقود الأخير .
ولكننا نؤكد على أن العصور الحديثة كانت الإزدهار الفعلي والحقيقي لأدب الأطفال من خلال الكتب المنشورة المتخصصة للأطفال من الشعر ونثر كالقصص والمسرحيات ؛ أضعف الى ذلك استخدام وسائل النشر الإكترونية مثل الافلام والرسوم المتحركة واستخدام تقنية الرسم في القصص وغير ذلك من التطورات الهائلة في المجال وغيره بالطبع .
إن أدب الأطفال يتقدم بسرعة بناء على تقديم العلوم الإنسانية تربوياً بشكل خاص حيث تؤكد هذه العلوم على أهمية الأنواع الأدبية ودورها الهام في تشكيل عام الطفل وشخصيته واتجاهاته النفسية والمعرفية .
المصادر
1 - موسوعة العلمية العالمية الرياض ( 1986 ) ج 1 حرف ( أ ) .
2 – أدب الطفولة : أصوله ومفاهيمه ، د . احمد زلط القاهرة ( 1994 ) ط 2.
3 – أدب الأطفال العربي الحيدث ، د . تغريد القدسي ، الكويت ، أكتوبر ( 1992 ) .